{قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33)}أنطقه الله أوّلاً بأنه عبد الله رداً لقول النصارى و{الكتاب} هو الإنجيل. واختلفوا في نبوّته، فقيل: أعطيها في طفوليته: أكمل الله عقله، واستنبأه طفلاً نظراً في ظاهر الآية. وقيل: معناه إنّ ذلك سبق في قضائه. أو جعل الآتي لا محالة كأنه قد وجد {وَجَعَلَنِى مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ} عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نفَّاعَا حيثُ كنتُ» وقيل: معلماً للخير. وقرئ {وَبِرَّاً} عن أبي نهيك، جعل ذاته برا لفرط بره. أو نصبه بفعل في معنى أوصاني وهو كلفني؛ لأن أوصاني بالصلاة وكلفنيها واحد {والسلام عَلَىَّ} قيل: أدخل لام التعريف لتعرفه بالذكر قبله، كقولك: جاءنا رجل، فكان من فعل الرجل كذا، والمعنى: ذلك السلام الموجه إلى يحيى في المواطن الثلاثة موجه إليّ. والصحيح أن يكون هذا التعريف تعريضاً باللعنة على متهمي مريم عليها السلام، وأعدائها من اليهود. وتحقيقه أن اللام للجنس، فإذا قال: وجنس السلام عليّ خاصة فقد عرض بأن ضدّه عليكم. ونظيره قوله تعالى: {والسلام على مَنِ اتبع الهدى} [طه: 47] يعني أنّ العذاب على من كذب وتولى، وكان المقام مقام مناكرة وعناد، فهو مئنة لنحو هذا من التعريض.